البابا: مريم لا تحبّ الرّب عندما يناسبها الأمر
بل تعيش واثقة بالله في كلّ شيء
“أمام المشاكل تضع مريم ثقتها في الله. وهذا هو الموقف الحكيم: ألا نعيش مرتبطين بالمشاكل وإنما واثقين بالله ومُتّكلين عليه يوميًّا” هذا ما أعلنه قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي في مناسبة عيد سيّدة الحبل بلا دنس.
وقال: تقدّم لنا كلمة الله اليوم خيارًا آخر. في القراءة الأولى نجد الإنسان الذي، وفي البدء، يقول لا لله. أما في الإنجيل نجد مريم التي تقول “نعم” لله في البشارة. نجد في القراءتين أن الله هو الذي يبحث عن الإنسان، ولكن في الحالة الأولى يذهب الله إلى آدم، بعد الخطيئة، ويقول له: “أين أنت؟” فيجيبه: “لقد اختبأت”. أما في الحالة الثانية فيذهب إلى مريم، التي بدون خطيئة، فتجيبه: “أَنا أَمَةُ الرَّبّ”. وبالتالي هذه الـ “هاءنذا” هي عكس “لقد اختبأت”؛ وتفتحنا على الله، فيما الخطيئة تغلقنا وتعزلنا وتجعلنا نبقى وحدنا.
وتابع الحبر الأعظم: تضيف مريم: “فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ”. هي لا تقول “ليكن ما أريد” وإنما “ما تريد أنت”. هي لا تضع حدودًا لله، ولا تفكّر: “سأكرّس نفسي قليلاً له، وأتعامل مع الأمر بسرعة ومن ثمَّ أفعل ما أريده”. لا، مريم لا تحبّ الرّب فقط عندما يناسبها الأمر؛ بل تعيش واثقة بالله في كلِّ شيء. هذا هو سرُّ الحياة. من يثق بالله يمكنه أن يفعل كلَّ شيء. أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يتألّم الرب عندما نجيبه كآدم: “لقد خفتُ فأختبأت”. الله هو أب، لا بل الأحنّ بين الآباء، ويريد ثقة الأبناء. ولكن كم من مرّة نشكُّ فيه ونفكّر في أنّه قد يرسل لنا تجربة ما ويحرمنا من حريتنا ويتركنا. ولكنها خدعة كبيرة، إنها تجربة البدايات، تجربة الشيطان: أن يدُسَّ عدم الثقة بالله. مريم تنتصر على هذه التجربة الأول بالـ “هأنذا” التي قالتها. واليوم نحن ننظر إلى جمال العذراء التي ولدت وعاشت بدون خطيئة، طائعة على الدوام وشفّافة أمام الله.
أضاف: هذا الأمر لا يعني أن الحياة كانت سهلة بالنسبة لها. إن الإقامة مع الله لا تحل المشاكل بشكل سحري. وتذكّرنا بذلك نهاية الإنجيل اليوم: “وَانصرَفَ الـمَلاكُ مِن عِندِها”. “انصرف”: هو فعل قويّ. لقد ترك الملاك العذراء وحدها في وضع صعب. هي كانت تعرف جيدًا بأي شكل مميّز كانت ستصبح أمَّ الله ولكن الملاك لم يشرح هذا الأمر للآخرين. وبالتالي بدأت المشاكل فورًا: لنفكّر في وضعها غير الشرعي بالنسبة إلى الشريعة وفي عذاب القديس يوسف ومشاريع الحياة التي تلاشت، وفي ما يجب عليه أن يقوله للناس… لكن أمام المشاكل تضع مريم ثقتها في الله. لقد تركها الملاك ولكنها تؤمن بأنَّ الله بقي معها وفي داخلها وتثق به. هي متأكّدة أنَّ مع الرّب كلُّ شيء سيسير على ما يرام حتى وإن كان ذلك بأسلوب غير منتظر. هذا هو الموقف الحكيم: ألا نعيش مرتبطين بالمشاكل، وإنما واثقين بالله ومُتّكلين عليه يوميًّا: هاءنذا! لنطلب من العذراء سيدة الحبل بلا دنس نعمة العيش بهذه الطريقة.
* * *
المصدر: موقع “إذاعة الفاتيكان”
التاريخ: 8 – 12 – 2018