البابا فرنسيس: في الإفخارستيا والصلاة
يأتي الرّب للقاء هشاشتنا ويعيدنا إلى صورة الله
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس، واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول: نتابع مع التعاليم حول القداس الإلهي، لكن لكي نفهم جمال الاحتفال الافخارستي أرغب أن أبدأ بجانب بسيط جدًّا: القداس هو صلاة، لا بل هو الصلاة بامتياز، الصلاة الأسمى والصلاة الملموسة في الوقت عينه. في الواقع إنها لقاء المحبّة مع الله من خلال كلمته وجسد ودم يسوع. إنها لقاء مع الرّب.
وتابع: لكن يجب أن نجيب أولاً على السؤال: ما هي الصلاة فعلاً؟ إنها قبل كلِّ شيء حوار وعلاقة شخصية مع الله؛ عندما نال موسى دعوته من الله أمام العلَّيقة المشتعلة سأله عن اسمه، وماذا أجابه الله؟ “أنا هو من هو” (خروج ۳، ١٤). يعبّر هذا القول في معناه الأصلي عن حضور ومعروف، ففي الواقع يضيف الله بعدها فورًا “الرب إله آبائكم، إله إبراهيم وإسحق ويعقوب” (الآية ١٥). هكذا المسيح أيضًا، عندما يدعو تلاميذه، يدعوهم ليكونوا معه. هذه هي النعمة الأكبر: أن نتمكن من اختبار أن القداس، أي الإفخارستيا هي اللحظة المميّزة لنكون مع يسوع ومن خلاله مع الله والإخوة.
وقال: إنَّ الصلاة وكأي حوار حقيقي هي أيضًا أن نعرف كيف نبقى في صمت، في صمت مع يسوع. وعندما نذهب إلى القداس، قد نصل ربما قبل خمس دقائق ونبدأ بالثرثرة مع من يجلس بقربنا، لكنَّ هذا الوقت ليس وقتًا للثرثرة بل هو وقت صمت لنستعدّ للحوار؛ إنه الوقت لنختلي بذواتنا ونستعدّ للقاء بيسوع. إنَّ الصمت مهمٌّ جدًّا! هل تتذكّرون ما قلته الأسبوع الماضي: عندما نذهب إلى القداس نحن لا نذهب لمشاهدة عرضٍ ما، بل نذهب للقاء الرّب والصمت يحضّرنا لهذا اللقاء ويرافقنا، وبالتالي علينا أن نبقى في صمت مع يسوع لأنَّ من صمت الله السرّي تنبعث كلمته التي يتردّد صداها في قلبنا. إنَّ يسوع نفسه يعلّمنا كيف هي ممكنة فعلاً “الإقامة” مع الآب ويُظهر لنا هذا الأمر من خلال صلاته. تظهر لنا الأناجيل يسوع الذي يختلي في أماكن منعزلة للصلاة، وإذ رأى التلاميذ علاقته الحميمة هذه مع الآب شعروا بالرغبة في المشاركة بها وسألوه: “يا رب علّمنا أن نصلّي” (لوقا ١١، ١).
وأضاف الأب الأقدس: هذه هي النقطة الأولى: أن نكون متواضعين ونعترف بأننا أبناء ونرتاح في الآب ونثق به. لكي ندخل ملكوت السماوات من الضروري أن نصير صغارًا كالأطفال، بمعنى أن الأطفال يعرفون كيف يثقون ويعرفون أن هناك من سيهتمُّ لأمرهم ولما سيأكلونه وما سيلبسونه وإلى ما هنالك. هذا هو الموقف الأول: الاتِّكال والثقة، كالطفل تجاه الوالدين؛ معرفة أنَّ الله يتذكّرك ويعتني بك وبي وبنا جميعًا.
وتابع: أما الاستعداد الثاني، والخاص أيضًا بالأطفال، فهو أن نسمح للأمور أن تفاجئنا. إن الطفل يطرح على الدوام آلاف الأسئلة لأنّه يرغب في اكتشاف العالم، ويندهش حتى من الأمور الصغيرة لأنّ كل شيء جديد بالنسبة إليه؛ ولكي ندخل إلى ملكوت السماوات علينا أن نسمح للأمور أن تدهشنا. هل نندهش في علاقتنا مع الرّب وفي الصلاة؟ هل نتفاجأ؟ أم نعتبر أن الصلاة هي أن نتكلّم مع الله كالببغاء؟ لا! الصلاة هي أن نثق به ونفتح قلوبنا لكي نسمح له بأن يفاجئنا. هل نسمح لله إله المفاجآت بأن يفاجئنا؟ لأنَّ اللقاء مع الرّب هو لقاء حيّ على الدوام وليس لقاء متحف، إنه لقاء حيّ ونحن نذهب إلى القداس لا إلى متحف.
وختم: هل يمكنني القول إنّه عندما أتقدَّم من المناولة في القداس يأتي الرّب للقاء هشاشتي؟ نعم يمكننا أن نقول ذلك لأنّها الحقيقة! الرّب يأتي للقاء هشاشتنا ليعيدنا إلى دعوتنا الأولى: بأن نكون على صورة ومثال الله. هذه هو جوُّ الإفخارستيا وهذه هي الصلاة.
* * *
المصدر: موقع “إذاعة الفاتيكان”
التاريخ: 15- 11- 2017