البابا فرنسيس: دعوات التكرّس تموت عندما تريد أن تتغذّى من التبجيل
أو يحرّكها البحث عن الطمأنينة الشخصيّة والترقي الاجتماعي والماديات
التقى قداسة البابا فرنسيس في استاد “لاماكارينا” الكهنة والرهبان والراهبات والإكليريكيين وعائلاتهم. وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة قال فيها: إن مثل الكرمة الحقيقيّة الذي سمعناه من إنجيل يوحنا يأتي في إطار عشاء يسوع الأخير. في ذلك الجوّ من الحميميّة والتوتر المفعم بالمحبّة، غسل الرب أرجل تلاميذه وأراد أن يخلَّد ذكره في الخبز والخمر فتحدّث من عمق قلبه مع الذين أحبّهم أكثر من سواهم. في تلك الأمسية “الإفخارستيّة” الأولى، وفي أول مغيب شمس بعد تصرّف الخدمة، فتح يسوع قلبه وسلّمهم وصيّته.
ونبّه إلى أن “دعوات التكرّس المميزة تموت عندما تريد أن تتغذّى من التبجيل أو عندما يحرّكها البحث عن الطمأنينة الشخصيّة والترقي الاجتماعي أو عندما يكون الدافع “للترقّي من فئة معيّنة” أو التعلّق بمصالح ماديّة تصل إلى حدِّ ارتكاب خطأ السعي إلى الربح. وكما قلت في مناسبات أخرى إن الشيطان يدخل من خلال المحفظة. وهذا الأمر لا يتعلّق في البدايات فقط بل ينبغي علينا أن نتنبّه جميعنا لأن الفساد في الرجال والنساء الذين في الكنيسة يبدأ بهذه الطريقة، شيئًا فشيئًا ومن ثم – كما يقول يسوع – يتجذّر في القلب ويُبعد الله عن حياتنا. “لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال” (متى ٦،۲٤)، لا يمكننا أن نستغلَّ حالتنا الرهبانيّة وطيبة أُناسنا، لتتمَّ خدمتنا ونحصل على امتيازات ماديّة”.
وأضاف: لكن الله لا يقطع فقط؛ ويتابع المثل ويقول إن الله يقضّب الكرمة من النواقص. والوعد هو أننا سنثمر بوفرة كحبّة القمح، إن كنا قادرين على تقديم ذواتنا وبذل حياتنا بحريّة. لدينا في كولومبيا أمثلة على أنَّ هذا الواقع ممكن. لنفكّر في القديسة لورا مونتويا، راهبة مدهشة، ذخائرها حاضرة هنا معنا… كم تعلّمنا هذه المرأة المكرّسة في التكرّس الصامت المعاش بنكران الذات وبدون أي مصلحة غير إظهار وجه الله الوالدي!
وسأل “كيف يقطع يسوع عوامل الموت المُتجذّرة في حياتنا والتي تشوّه دعوتنا؟ من خلال دعوتنا للثبات فيه؛ والثبات فيه لا يعني الإقامة معه فقط بل يشير إلى الحفاظ على علاقة حيويّة وجوهريّة وضروريّة”؛ وتابع: لا يمكن للثبات في يسوع أن يكون موقفًا خاملاً أو مجرّد استسلام بدون تبعات في الحياة اليوميّة والملموسة. وقدّم ثلاثة أساليب لتفعيل هذا الثبات: ثبات في المسيح من خلال لمس بشريّة المسيح، من خلال تأمُّل ألوهيّته، من خلال خلق ودعم التقدير للدراسة التي تنمّي معرفة المسيح، لأنّه وكما يذكّر القديس أغسطينوس لا يمكننا أن نحب من لا نعرفه… ونعطي وقتًا لقراءة مصليّة لكلمة الله فنصغي من خلالها إلى ما يريده الله لنا ولشعبنا.
وخلُص البابا فرنسيس إلى القول: ينبغي علينا أن نثبت في المسيح لنعيش في الفرح: إن ثبتنا فيه، سيكون فرحه فينا. لن نكون تلاميذًا تعساء ورسلاً يائسين. بل على العكس سنعكس ونحمل الفرح الحقيقي ذلك الفرح الكامل الذي لا يمكن لأحد أن ينتزعه منا، وسننشر رجاء الحياة الجديدة الذي منحنا إياه المسيح. إن دعوة الله ليست حِملاً ثقيلاً ينتزع منا الفرح. الله لا يريدنا غارقين في الحزن والتعب الناتجَينِ عن النشاط المعاش بأسلوب خاطئ بدون روحانية تجعل حياتنا سعيدة وحتى أتعابنا. على فرحنا المعدي أن يكون الشهادة الأولى لقرب الله ومحبّته. نكون موزِّعين حقيقيين لنعمة الله عندما نسمح بأن يظهر فرح اللقاء به.
* * *
المصدر: موقع “إذاعة الفاتيكان”
التاريخ: 10 أيلول 2017