الراعي استُقبل بترحيبٍ يخصَّص للبابوات في فاطيما:
قدرة العذراء العجائبية هدّأت الوضع في لبنان
حظيَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بترحيبٍ يخصَّص للبابوات، فاستُقبل بالدموع ووُدّع بالمنديل الأبيض في رحلة الحجّ إلى فاطيما. أمّا اللحظات المؤثّرة فكانت حين اجتمع مئاتُ المؤمنين اللبنانيين الآتين من لبنان وسوريا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وأستراليا وأرمينيا والكويت لملاقاة راعيهم والتطوافِ حاملين الشموع المتلألئة التي أضاءت سماءَ فاطيما في ليلةٍ اعتُبرَت من أقدس لياليها، طلباً للسلام في الشرق الأوسط ولبنان.
وفي ختام رحلة الحجّ، شرَح الراعي خلالها العقائد المريمية في الكنيسة الكاثوليكية متمنّياً بشفاعة العذراء أن يعمّ السلامُ لبنان والشرق، وخصَّ «الجمهورية» بحوار هنا نصّه:
- ما هي الزوّادة التي يجب أن نحملها معنا كإعلاميين ورجال دين لننقلَها إلى المواطنين وحتى إلى السياسيين في وطننا؟
– إنّ اللبنانيين شعروا في هذين اليومين بقيمة الإيمان بالعذراء مريم، وعاشوا الحقيقة ليعودوا اليوم إلى أرض الواقع، في الوقت الذي تخبرنا قصّة فاطيما عن البساطة التي تجلّت في حياة وصلوات رعيان ثلاثة، فأتى ظهور العذراء عليهم لتغيير وجهة المسار في حياتهم وحياة مسيحيين كُثر.
والأمثولة الواجب اتّخاذها هي البساطة والتواضع في الحياة وأمام الله، لأنّ الله لا يتكلّم مع المتكبّرين بل مع المتواضعين، والمتواضع هو الذي يُبقي مكاناً لله في حياته، فالصلاة ضرورية، كذلك السعي إلى التوبة. أمّا الإيمان فهو القوّة الكبيرة التي تُسعفنا وتُمكّننا من نقلِ الجبال من أمكنتها. والإعلاميون لديهم دورٌ كبير يقضي بالتقيّد في قول الحقيقة التي تَبني.
وللأسف هناك الكثير من التضليل والكذب في الإعلام، والمزعجُ اليوم هو التسابق على نقلِ الخبر البشِع والقاسي، والتغاضي عن نقلِ الأشياء الجميلة والأخبار المفرحة… الإعلام رسالة وإذا كان الإعلامي لا يؤمن بأنّ رسالته هي تكوين الرأي العام الصحيح والسليم فرسالتُه باطلة.
- وما دورُ رجال الدين؟
– كذلك الأمر بالنسبة إلينا كرجال دين، يجب علينا عيش الحقيقة وأن أكون أكبرَ شاهدٍ لها. وعلينا عيشُ الحقيقة وعيش البساطة والإيمان لكي يستطيعَ الرب محاكاتنا. لقد سعيتُ دائماً إلى هذا الأمر خلال مسيرتي لأنّ الله لا يحاكي المتكبّرين. فالمتكبّر الذي لا يريد أن يسمع سوى ذاته لا يحاكيه الربّ، وهو الذي يخنق صوتَ الضمير ويحجب أذنَه عن سماع صوت الله ويخنقه. … إبّان الحربِ اللبنانية أرسَل القدّيس يوحنا بولس الثاني رسالةً إلى مطارنة العالم طالباً منهم تخصيصَ يومِ صلاة للبنان، موضحاً أنّ الذي يَحدث في لبنان يهدّد جذورَ المسيحية العالمية. وطالبَهم باستعمال سلاحَين: الحقيقة والصلاة.
- الرعاة الثلاثة في فاطيما غيَّروا وجه التاريخ ومسارَ المسيحية في الشرق. هل هناك رعاةٌ لبنانيون قادرون على إحداث التغيير في لبنان ومَن هم هؤلاء الرعاة الثلاثة؟ وهل البطريرك هو الراعي الأوّل؟
– سبقَ وقلتُ إنّ قصّة أولئك الرعيان هي قصة بساطة. بساطة الأطفال. أمّا لماذا اختارت العذراء هؤلاء الأطفال الذين كانوا يرعون الغنم ويسجدون للصلاة، فلِبساطتهم حاكتهم العذراء. إذاً يجب تركُ مجالٍ للرب ليقول لنا ماذا يريد، فنحن لا نَعلم ماذا يريد منّا، لكن يجب إعطاؤه مجالاً ليقول ما يريده، فلا يجب أن أكون «مليئاً» من ذاتي وكأنّ الله لا يَسعه مكانٌ في هذه الذات.
وأضاف: إنّ مجتمعنا الحاضر يعاني من حالتَي إلحاد، وهما الإلحاد الكلاسيكي والإلحاد المعاصر. الإلحاد الكلاسيكي يقول ان لا وجود لله، ولا مشكلة مع هؤلاء لأنّهم لم يجدوا الله بعد وما زالوا يبحثون عنه.
أمّا الإلحاد المعاصر فهو الذي تعيشه غالبية المسيحيين وخصوصاً المسؤولين منهم، بما في ذلك المسؤولون السياسيون. إذ إنّ الإلحاد المعاصر يقول: الله موجود إنّما لا شغلَ له معنا، ونحن نحترم الله ولكن لا يمكنه التعاطي معي. ولو كنتُ أعترف بوجوده أو أحبّه، فلا ناموسه يعجبني ولا أتقيّد بشريعته ولا وصاياه ولا إنجيله، وهو لا شغلَ لديه في حياتنا.
وختم الراعي: إنّ تجديدَ تكريس لبنان لقلب مريم الطاهر منذ العام 2013 يَدفعنا إلى الإيمان أكثر بأنّ العذراء هي مَن تحمي البلد. إذ كيف يمكن تفسير هذا الأمن في لبنان؟ هناك قدرة عجائبية هي التي هدّأت الوضعَ وهي قدرة العذراء مريم التي استودعناها لبنان. كما أنّ هدوءَ لبنان سياسي أيضاً، والجميعُ يمكنه ملاحظة كيف نصل إلى المهوار في كلّ لحظة، وفي الدقيقة الأخيرة نعود وننتفض مجدّداً. إذ كيف بقينا عامَين من دون رئيس للجمهورية ولم يخرَب البلد ومَن يمكنه تفسير الأمر؟ العذراء قد لا تكون هي مَن نصَّبت الرئيس إنّما بصلوات المؤمنين وبشفاعتها كانت هناك يدٌ مبارَكة وخفيّة أنارَت عقولَ السياسيين في مكانٍ ما.
* * *
المصدر: “الجمهورية”
التاريخ: 29 حزيران 2017